أوهام "إسرائيل الكبرى"- بين أحلام نتنياهو وواقع الشرق الأوسط الجديد

المؤلف: محمود سلطان09.17.2025
أوهام "إسرائيل الكبرى"- بين أحلام نتنياهو وواقع الشرق الأوسط الجديد

دائمًا ما يستمتع نتنياهو بالحديث عن وجود قوة "روحانية/غيبية" تدعمه وتساند مشروعه المتعلق بـ"الشرق الأوسط الجديد"، وهو تعبير لطيف يقصد به "إسرائيل الكبرى". كان يرى أن "رسالته" للعالم مرتبطة بنتائج الحرب على الجبهة اللبنانية، وكان واثقًا كما لو كانت لديه "بطاقة ضمان" مخبأة، مع خريطة لـ"الشرق المزعوم" الذي يستخدمه كـ"بلسم" لجراح إسرائيل النازفة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. بالمقابل، يعتقد بعض المقربين منه، الأكثر عقلانية، أن هذا مجرد "يوتوبيا" أشبه بمن يطلب "لبن العصفور".

منذ هزيمتها في حرب "أكتوبر/رمضان" عام 1973، لم تحقق إسرائيل أي نصر حقيقي سوى على المدنيين والمخيمات. بعد مرور أكثر من خمسة عشر شهرًا على ممارساتها الوحشية في مخيم بحجم "جباليا" ومساحات محدودة في جنوب لبنان، لا تزال تتحدث بصلف عن عدم رضاها بـ"إسرائيل الصغرى" وتصميمها على تحقيق "نسختها الكبرى" تحت مسمى الشرق الأوسط الجديد.

وكما يقول المثل "الإلحاح يفسد السمع"، فقد تصدر المشهد الإعلامي داخل إسرائيل صحفيون ومعلقون يحاولون تحويل هذه الدعاية إلى حقيقة، وهي فكرة تجري في عروق اليمين المتطرف مجرى الدم. يتحدثون بتغطرس بأن مرحلة ما "بعد حزب الله" ستكون بوابة لتل أبيب لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وتحويله إلى "منطقة مسالمة" قادرة على إدارة المصالح المتضاربة إما طوعًا أو بقوة إسرائيل الغاشمة.

هذا التفكير المفرط في التفاؤل ليس جديدًا. فبعد حرب الخليج عام 1991 واتفاقات أوسلو عام 1993 والربيع العربي عام 2011، روج الخبراء الإسرائيليون لسيناريوهات وردية مماثلة. من أشهرها كتاب شيمون بيريز الذي ألفه في التسعينيات عن "الشرق الأوسط الجديد"، وهي نبوءة وصفها المفكر الإسرائيلي إفرايم أنبار بأنها "كلام فارغ".

اختفى هذا الخطاب المتعجرف، المدعوم بالحجج الدينية والغطرسة، لفترة ليست قصيرة، ربما بسبب عملية الإحماء التدريجي التي شهدتها المنطقة منذ السبعينيات لدمج إسرائيل كدولة طبيعية، وذلك حتى قبل طوفان الأقصى الذي أوقف عملية التطبيع، مما أدى إلى تعثر كل شيء وتناثر المشروع مع جثث الضحايا تحت أنقاض غزة المدمرة.

لكن صورة جندي إسرائيلي، تم التقاطها خلال العمليات في غزة في يونيو/حزيران 2024 وهو يرتدي "شارة/خريطة" إسرائيل الكبرى على زيه العسكري، مطابقة لتصريح ثيودور هرتزل الذي مضى عليه أكثر من قرن، أثارت غضبًا واسعًا في العالم العربي.

الخريطة، كما ظهرت على ذراع الجندي، شملت مناطق من النيل إلى الفرات، ومن المدينة المنورة إلى لبنان، بما في ذلك أجزاء من سوريا والأردن بأكمله.

ربما ما أثار الغضب هذه المرة ليس وجود الخطة، بل ظهورها في وسائل الإعلام الاجتماعية. ففي مطلع عام 2024، قال السياسي الإسرائيلي آفي ليبكين في مقطع صوتي مسجل: "في النهاية، ستمتد حدودنا من لبنان إلى الصحراء الكبرى، ومن البحر الأبيض المتوسط ​​إلى نهر الفرات". وتساءل: "من يقع على الجانب الآخر من الفرات؟ الأكراد! والأكراد أصدقاء. لذا، لدينا البحر الأبيض المتوسط ​​خلفنا، والأكراد أمامنا، ولبنان، الذي يحتاج حقًا إلى مظلة حماية إسرائيل، وبعد ذلك أعتقد أننا سنستولي على مكة والمدينة وجبل سيناء، ونطهر تلك الأماكن"، بحسب أوهامه.

لم يثر هذا المقطع ردود فعل غاضبة في ذلك الوقت، ربما لأن الحرب كانت في مراحلها الأولى، مع كل ما صاحبها من "بهجة" انهيار الأساطير المؤسسة لـ"الدولة التي لا تقهر" والاعتقاد بأن هناك شرقًا أوسط جديدًا قد يتشكل بدون "إسرائيل".

لكن مشروع "إسرائيل الكبرى/الشرق الأوسط الجديد" اكتسب زخمًا واهتمامًا أكبر مع النجاح التكتيكي الذي حققه نتنياهو في المراحل الأولى من حربه على حزب الله (تصفية معظم قياداته السياسية والأمنية والميدانية).

في حين أن التوسع الإقليمي الإسرائيلي، بدوافعه الدينية/التاريخية، كان يُستخدم في العالم العربي كأداة للتعبئة والتخويف من التطبيع أو كأداة بيد المعارضة السياسية لإدانة الأنظمة العربية "المتسامحة" مع المشروع، إلا أنه كان يخضع لاختبارات قاسية داخل النخبة الإسرائيلية أو يُدرج على رأس أجندة المؤسسات البحثية المهتمة بمستقبل الشرق الأوسط. تبدأ هذه الاختبارات بالتساؤل عن مدى علمية مطالبات هرتزل بالأرض، ليخلص البعض إلى أن الكتاب المقدس ليس مصدرًا تاريخيًا علميًا، وبالتالي فإن رواية العودة إلى إسرائيل أو إسرائيل الكبرى يمكن ربطها بخطاب جدلي وليس تاريخًا مفصلًا للمنطقة أو الحقائق الديموغرافية على الأرض.

أخضعت البروفيسور إيكاترينا ماتوي، مديرة برنامج الشراكة مع الشرق الأوسط MEPEI، مقولات هرتزل والأصول التي أقام عليها مشروعه التوسعي لنقاش يهدف إلى اختبار صحة الأسس التي يستمد منها الشرعية، وقياس المسافة التي تفصلها عن المشروع كحتمية تاريخية.

تساءلت: "إذا كانت هذه الأرض إسرائيلية، فلماذا يتم شراؤها من ملاك قانونيين قائمين؟ وإذا كانت أطروحة الأرض "القاحلة" التي روجت لها وسائل الإعلام، أو "الأرض الشاغرة" بحسب "هرتزل"، فلماذا يشتريها الإسرائيليون؟"

وخلص البرنامج إلى القول: "يمكننا أن نؤكد أن طبيعة مطالب هرتزل المتعلقة بالأرض ليست علمية. بينما كانت هناك أسباب دفعت الحركة الصهيونية إلى التفكير في تأسيس دولة يهودية مستقلة، فإن موقع وطريقة تنفيذ هذا المشروع كانا خاضعين لمفاوضات مع القوى الاستعمارية السابقة، ألمانيا، ثم الولايات المتحدة لاحقًا. كانت هذه اتفاقات ذاتية".

وإذا كان قد تم تحقيق أهداف الحكم الذاتي والحماية الذاتية التي ذكرها هرتزل، فإن هذه الحماية الذاتية تعتمد بشكل كبير على المساعدات العسكرية الأميركية والأوروبية حتى يومنا هذا، مما يعني أن "إسرائيل الكبرى/الشرق الأوسط الجديد" يظل قرارًا دوليًا وليس إسرائيليًا محليًا، وهو القرار المستحيل بسبب المصالح الجيوسياسية للقوى الكبرى في منطقة الشرق الأوسط.

في هذا السياق، تهكم معهد القدس للإستراتيجية والأمن، الذي تأسس عام 2017 ويشدد على أهمية القدس الموحدة كأساس لأمن الدولة والهوية الوطنية للشعب الذي يعيش في "صهيون"، من فكرة "شرق أوسط جديد" ما بعد "حزب الله"، وقال بسخرية: "من السذاجة الاعتقاد بأن حدثًا واحدًا قد يغير المشهد السياسي في منطقة بأكملها، فحتى النهاية الحاسمة للحرب الباردة والنصر الحاسم الذي حققته الولايات المتحدة على صدام حسين، وهما حدثان كان لهما تأثير دولي كبير، لم يغيرا إلا القليل في السياسة المحلية أو الدولية في الشرق الأوسط".

ويعتقد المعهد أن الشبكة المعقدة من الديناميكيات المحلية والدولية لا تشجع على التعايش السلمي، وإذا كان السعي إلى تحقيق شرق أوسط أكثر سلامًا مشروعًا نبيلًا، فإنه يظل مهمة شاقة في الوقت الراهن.

وينتهي إلى القول: "إن الدرس الذي يجب على إسرائيل أن تتعلمه هو أنها ستضطر إلى العيش على سيفها لسنوات قادمة، ورغم أن فترات انخفاض التوتر، مثل تلك التي تتمتع بها إسرائيل مع مصر والأردن، ممكنة بالتأكيد، فإنها لا تعكس علاقة ثنائية مختلفة نوعيًا، مثل العلاقة بين كندا والولايات المتحدة، وإن الانتقال من علاقة غير عنيفة إلى صراع مسلح قد يحدث بسرعة، ولا بد أن تكون إسرائيل مستعدة لهذا الاحتمال".

لا يوجد دليل قاطع على أن إسرائيل ستتخلى عن هذا الهدف، أو أنها ستتنازل عن مشروع إسرائيل الكبرى. ومع ذلك، فإن الفكرة الرئيسية التي تظهر في الحجج التي تدافع عن هذا المشروع، أي العصر "الجديد" الدائم، قد تكون سببًا للتأمل.

مع اقتراب العالم من نهاية عصر النفط، وتزايد طرق التجارة، ستكون هناك حاجة إلى تغييرات جذرية للقوى العظمى التقليدية للتنافس سلميًا مع القوى الصناعية والتجارية الصاعدة.

وفي حين تتمتع إسرائيل باستقلال نسبي وتعمل على تعزيز قدرتها على حماية نفسها، فإن أهمية الدعم الأجنبي قد تظل عنصرًا أساسيًا في سياستها الإقليمية. عند تحليل مشروع إسرائيل الكبرى، يجب أن نأخذ في الاعتبار ما إذا كانت دولة الحرب الدائمة تتوافق مع التطلعات نحو التنمية الاقتصادية في زمن السلم، والتي من المفترض أن تنافس القوى الاقتصادية سريعة النمو. هذا يجعل فكرة "إسرائيل الكبرى/الشرق الأوسط الجديد" وهمًا يصطدم مع أي قراءة موضوعية، وقد يكون حلمًا بعيد المنال، بالتزامن مع تصاعد الرغبة في الانتقام من تل أبيب، وتزايد القناعة لدى تيار إسرائيلي استشرافي بأن الشرق الأوسط الجديد قد يتشكل فعلًا على المدى البعيد، ولكن بدون دولة إسرائيل.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة